عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
فاسألوا أهل الذكر
3950 مشاهدة
تنبيهات للمفتي وللمستفتي

فنقول: إن سلف الأمة وعلماءها وأئمتها لا يقولون إلا ما يعلمون، ولا يفتون إلا بما فتح الله عليهم، وإنهم إذا أشكل عليهم أمر من الأمور لم يكن عندهم فيه دليل؛ فإنهم يتوقفون إلى أن يفتح الله -تعالى- عليهم، وإلى أن يترجح عندهم أحد الاحتمالين أو أحد الدليلين.
وإذا كان كذلك فإن على المسلم أن يكون متورعا عن أن يقول على الله بغير علم، وعن أن يكذب على الله -تعالى- فيقول عليه: هذا حلال وهذا حرام، وذلك من الافتراء على الله؛ حيث إن كثيرا في هذه الأزمنة يتسرعون، فيفتون بغير علم، ويقولون على الله، ويتخرصون في دين الله، وليسوا أهلا لذلك، وهذا من أكبر الخطر. قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .
يقول العلماء: إن الله رتب المحرمات في هذه الآية، وجعلها أربعة أقسام؛ بدأ بأسهلها بقوله: حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ يعني أن الفواحش محرمة، ومع ذلك فهي أهون خطرا مما بعدها، ثم قال: وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ .
الإثم والبغي بغير الحق أكبر من الفواحش؛ وذلك لأنه يترتب عليه ظلم، ويترتب عليه قتل، ويترتب عليه اعتداء على حقوق المسلمين، ثم بعد ذلك قال: وَأَنْ تُشْرِكُوا والشرك أكبر من الإثم والبغي، وذلك لأنه لا يُغفَر.
ثم قال بعد ذلك: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ والقول على الله بغير علم أكبر من الشرك؛ وذلك لأن الذي يتقول على الله، والذي يتخرص في الفتوى، ويتخرص في الدين؛ ذلك لأنه نصب نفسه مشرعا؛ جعل نفسه بمنزلة الرب الذي يأمر وينهى، ويحلل ويحرم، ويفتري على الله، ويقول عليه ما لم يقله، فيكون ذنبه أكبر من غيره؛ حتى أنه أكبر من الشرك؛ فلذلك قال: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .
وكان كثير من العلماء -رحمهم الله- يتورعون إذا سُئلوا؛ مع أنهم أهل أن يجيبوا؛ يُسألون عن مسائل عادية فيتورعون عن الجواب فيها.
ذكروا أن الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة الذي تشد إليه الرحال، والذي هو عالم المدينة في زمانه، توفي سنة مائة وتسع وسبعين. جاءه رجل من بلاد بعيدة، ومعه أربعون مسألة يسأله عنها، فأجابه عن أربع مسائل، وتوقف في ست وثلاثين؛ فقال: أيها الإمام قد سافرت لك من بلاد بعيدة؛ قطعت مسيرة شهر أو أكثر، فكيف أرجع وأنا لم أحمل جوابا لهذه المسائل التي أشكلت عليَّ؟
فقال: لا أقدر أن أقول فيها بغير علم؛ أخشى أن يكذبني الله.
وكان كثير -أيضا- من العلماء يتوقفون في المسائل التي ليس عندهم علم بها؛ وذلك لقول الله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ .
الذين يتخرصون ويقولون بغير علم، ويحلون ويحرمون، ويفتون وهم ليسوا أهلا للفتوى؛ فيفتون بحسب أهوائهم؛ يدخلون في هذا الوعيد وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ أي: لا تتخرصوا في دين الله؛ فتحللون بحسب أهوائكم، وتحرمون بحسب ما تهوونه؛ فتكونون بذلك من الكاذبين؛ تفترون على الله الكذب.
وقال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا جعلتم حراما وحلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ لا شك أن هذا افتراء على الله، الذين يتخرصون في الدين، ويحللون ويحرمون.
ولقد كان علماء الأمة -رحمهم الله- يتوقفون عن كثير من المسائل؛ مع أن في إمكانهم أن يبحثوا، وأن يعلموا حكمها؛ ولكن يخشون الخطأ فيها، فيترادون؛ حتى ذُكر أن جماعة من الصحابة سُئل أحدهم فقال: يا فلان اذهب إلى فلان يفتيك، فذهب إليه فقال: اذهب إلى فلان يفتيك، وهكذا حتى دار على عشرة، ثم رجع إلى الأول؛ كل واحد يحيله على الآخر؛ ذلك من الورع أن يفتي بغير علم؛ مخافة أن يتحمل ذلك الخطأ، أن يتحمل الخطأ فيكون ممن قال على الله بغير علم، فيدخل في ذلك الوعيد.
وكثيرا ما يتوقف أحدهم فيقول: الله أعلم، أو لا أدري، ويقولون: من أخطأ لا أدري أصيبت مقاتله.
فيجب على من ليس عنده علم بالأحكام أن يقول: الله أعلم، يقول بعضهم:
وقـل إذا أعيــاك ذاك الأمــر
مـا لي بمـا تسـأل عنـه خِبْر
فـذاك شـطر العلـم فاعلمنـه
واحـذر هـديت أن تزيـغ عنـه
أي أن كلمة الله أعلم شطر العلم؛ يعني: لو علم ما علم فإنه قد يكون عليه نقص.
وليـس كـل العلـم قد حويتـه
أجـل ولا العشـر ولـو أحصيته
ما حصلت على عشر العلوم، وما فاتك منه فهو أكثر.
وإذا كان كذلك فإن على المسلم أن يتورع عن أن يقول على الله، وأن يتخرص في دين الله؛ فيعاقبه الله -تعالى- ويلحقه ذلك الإثم؛ إثم من أفتاه.
ورد في حديث: من أُفتي بغير ثبْت فإنما إثمه على من أفتاه يعني من حصلت له فتوى، وتلك الفتوى ليست ثابتة وليست صحيحة فالإثم على ذلك الذي أفتاه بغير علم؛ حيث إنه تَقَوَّلَ وتخرص في دين الله.
وقد ذم الله الذين يظنون بقولهم: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ فأخبر بأن الظن الذي هو تخرص أنه من أكبر الإثم؛ كما قال الله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا الظن والخرص في كتاب الله -تعالى- أو في شرعه لا يغني من الحق شيئا، فمن لم يكن عنده دليل، ولم يكن عنده علم؛ فعليه أن يتوقف عن الفتيا، وأن يرد الأمر إلى أهله.